كتبت – عزة كامل
الحرية طريق صاعد إلى النور، وشوق دائم لضيائه، وكلما ازددنا إيمانًا بها، ازددنا توغلًا فى ملاقاة الصعاب وولوج الطرق الموحشة من أجل التحرر من العبودية والاستبداد، ومقاومة الهدير الكاسح من الدجالين والمخادعين وكذلك مقاومة الانحطاط والزيف، والكشف عن التناقضات القائمة فى واقع متوحّش و«عالم مقلوب» ينسلخ فيه المرء عن دنياه ويلجأ إلى عالم آخر متخيّل، يجد فيه الأمن والأمان.
كثر الكلام عن «التنوير» وعن تجديد «الخطاب الدينى»، ونحن نتساءل: كيف يمكن أن يتم هذا دون الشروع فى إصلاح سياسى شامل يؤسّس لدولة القانون والديمقراطية التى تحترم التعددية وتحمى حرية الفرد والحريات العامة وتسعى بإجراءاتها وسياساتها لتحقيق العدل الاجتماعى وتحقيق إصلاح ثقافى مجتمعى يؤمن بحق البشر فى المعرفة والحوار والمساءلة وتوفير حياة كريمة؟
فى عام 1927، كتب طه حسين مقالًا فى مجلة «الحديث»، هاجم فيه اللجنة التى وضعت دستور 1923 بسبب المادة رقم (149) التى نصّت على أن «الإسلام دين الدولة»، وضح فيها أن «هذا النص سيكون مصدر فُرقة بين المصريين على أساس أنه يتناقض مع حرية الاعتقاد، لأن معنى ذلك أن الدولة مكلفة أن تمحو حرية الرأى محوًا فى كل ما من شأنه أن يمسّه الإسلام من قريب أو من بعيد، سواء أصدر ذلك عن مسلم أو غير مسلم، ومعنى ذلك أن الدولة مكلفة بحكم الدستور أن تسمع ما يقوله الشيوخ فى هذا الباب، فإذا أعلن أحد رأيا أو ألّف كتابًا أو نشر فصلًا أو اتخذ زيًّا، ورأى الشيوخ فى هذا كله مخالفة للدين ونبّهوا الحكومة إلى ذلك فعلى الحكومة بحكم الدستور أن تسمع إليهم وتعاقب مَن يخالف الدين أو يمسّه، بالطرد أولًا، وإن كان موظفًا، ثم بتقديمه إلى القضاء بعد ذلك بإعدام جسم الجريمة، كما يقول رجال القانون».
لقد استشرف طه حسين المستقبل، لقد كان أعمى البصر ولكنه لم يكن أعمى البصيرة، وهذا ما دفعه إلى أن لا يتملَّق أى سلطة، فعندما كان عميدًا لكلية الآداب امتلك شجاعة فائقة لتحدّى سلطة القصر، ورفض منحة الدكتوراه الفخرية لبعض السياسيين المصريين ولبعض رؤساء الدول الأجنبية.
بعكس الأصوليين الذين كانوا يتملَّقون القصر والملك فاروق عندما نادوا بضرورة عودة الخلافة.